الاثنين، 20 أغسطس 2012

محمود عبدالرضا مساحة حرة -مِنَ الهندِ التجربة (المركز الاول)


مساحة حرة -مِنَ الهندِ التجربة (المركز الاول)

محمود عبدالرضا 

أن يتولى رئاسة الجمهورية الهندية ثلاثة رؤساء مسلمين منذ استقلالها من الاحتلال البريطاني العام 1947م، هو أمر بالطبع غير عادي وله دلالات عديدة. فالجمهورية التي تقطنها الأغلبية الهندوسية وتتمتع بعدد مهول ومعقد من الطوائف الدينية والاثنية، يصل إلى سدة الحكم فيها ثلاث شخصيات مسلمة عن طريق الانتخاب وليس عن طريق التعيين أو المحاصصة وبنسبة تصل إلى الـ90 في المئة من مجمل أًصوات المجمع الانتخابي الهندي للمشرعين الذي يتولى مسئولية انتخاب رؤساء الهند، تماماً كما حصل مع آخر مسلم تقلد رئاسة الحكم في هذا البلد الملياري الدكتور أبو الفق?ر عبد الكلام والذي تقلد الرئاسة من العام 2002 وحتى 2007، ويعتبر الدكتور ذاكر حسين أول رئيس مسلم للهند وتولى ما بين عامي 1967 و1969، أما ثاني رئيس مسلم فكان الدكتور فخر الدين علي أحمد الذي ترأس الهند ما بين عامي 1974 و1977.
وليس الموضوع ملل ونحل توارثت حكم الهند، ولا الحديث عن أوضاع المسلمين فيها، إنما القصد في الدلالة التي تثيرها وصول أقليات دينية أو سياسية إلى أعلى مناصب في الدولة بدون وجود تشريعات سياسية لازمة بتقسيم البلد وفق نظام المحاصصة الطائفية، بل عن طريق الانتخاب والتفضيل بين مختلف شخصيات ذات خلفيات دينية وسياسية مختلفة.
لا بد أن هذا الأمر يفرض تصوراً آخر لدينا كشعوب خليجية بالتحديد عن ما يجري داخل الهند، بخلاف نظرتنا الساذجة التي لا تعرف عن الهند إلا كونها بلد فقيرة ومتخلفة، لكن الحق أن الهند التي بقيت في عيوننا طويلاً لا نتذكر فيها إلا مشاهد البؤس والعوز والتي لا أُنكرها، تعتبر من أفضل الدول التي تعطي العالم دروساً في طرق البناء الديمقراطي للدولة في مجتمع متنوع، فلا بلد أكثر تنوعاً من الهند التي تحتضن ألف طبقة اجتماعية و22 لغة رسمية ولهجات أكثر بكثير، وفي بلد تقطنه أغلبية هندوسية ويضم ثالث أكبر عدد من المسلمين في العالم.
فبعد أن أفاقت الهند المستقلة من سطوة الاحتلال البريطاني في أغسطس 1947م، كان ينتظرها مستقبل مجهول المصير، في ظل ظروف التطاحن الطائفي التي كانت تعيشها البلد المتهالكة آنذاك، يقول (شاشي ثارور، وزير الدولة الهندي للشئون الخارجية من 2009-2010) «وجد زعماء الهند أنفسهم مسئولين عن دولة تجاوز عدد قتلاها المليون، النازحين فيها ثلاثة عشر مليوناً، وخسرت مليارات الروبيات نتيجة للأضرار التي لحقت بالأملاك، وما زالت جراحها التي أحدثتها أعمال العنف الطائفي تنـزف»، هذا فضلاً عن خسارتها لجزء من سيادتها بعد تقسيم شبه القارة الهندية إلى دولتين (الهند وباكستان).
لكن عزم الرجال حول الدولة المحطمة إلى أكبر ديمقراطيات العالم الثالث وواحدة من أبرز التجارب الديمقراطية المعتدة في العالم، بعد أن استوعب قادتها الطريقة السليمة في الحفاظ على المجتمع الهندي الذي يزخر بالتنوع الديني والأثني، فأخذت بيده نحو البناء الديمقراطي للجمهورية الهندية، وهذا ما أعلن عنه جواهر لال نهرو أول رئيس وزراء هندي بعد الاستقلال بأن «الهند ستكون أرض الأديان المتعددة»، وما تشير إليه بوضوح مقدمة الدستور الهندي الذي وضع بعد الاستقلال عام 1950 بأن الهند دولة ذات سيادة وإنها جمهورية اشتراكية وعلمانية وديمقراطية.
واليوم تنتخب الهند رئيسها، ويعين الرئيس رئيس الوزراء المدعوم من الحزب الذي يحظى بأغلبية برلمانية وتمتلك مجلسين تشريعيين برلمانيين، مما أوجد هياكل سياسية دائمة تؤمن للناس فرص المشاركة العادلة. نتعلم من الهند إن بناء الدول يحتاج لإرادة مسئولة فقط.
محمود عبدالرضا

صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3633 - السبت 18 أغسطس 2012م الموافق 30 رمضان 1433هـ

0 التعليقات:

إرسال تعليق