الأحد، 5 أغسطس 2012

ماذا تصنع وزارة الصحة؟


ماذا تصنع وزارة الصحة؟

نشرت وزارة الصحة مؤخراً إعلاناً في عدد من الصحف الأجنبية عن وظائف شاغرة لاستشاريين واختصاصيين كان يشغلها أطباء أوقفوا عن العمل لأسباب سياسية.
الإعلان اشترط أن يمتلك الاستشاري شهادةً معترفاً بها، مع شهادة البورد أو الزمالة، وتلقيه تدريباً لا يقل عن سنتين، مع خبرة 8 إلى 10 سنوات... وشروط أخرى كأن تكون له بحوثٌ منشورةٌ في مجلات معترف بها، وخبرة في التدريس.
«الوسط» نشرت الخبر مانشيتاً أمس، لأنه خبرٌ سياسي بامتياز، وليس مجرد إعلان. وأرفقت معه جدولاً يوضح بعض التخصصات التي أعلنت عنها الوزارة، على رغم وجود استشاريين وأخصّائيين موقوفين عن العمل وخبرتهم تتجاوز خمسة وعشرين عاماً، وذلك لأسباب سياسية بحتة. كما نشرت التفاصيل في الصفحة السابعة، مع نسخة من الإعلان باللغة الإنجليزية وترجمته للعربية.
الأطباء الذين اتهموا بمجموعة من التهم الكبرى في الأشهر الأولى لأحداث العام الماضي، وتعرّضوا للكثير من الأذى النفسي والجسدي والتشهير وتشويه السمعة، حظوا بتعاطف دولي سياسي وحقوقي واسع. وتمت تبرئتهم من أغلب هذه التهم عندما أعيدت محاكمتهم، حيث حصل نصفهم على البراءة، وخُفِّفت أحكام النصف الآخر وإسقاط أغلب التهم. وكانت «لجنة بسيوني» قدّمت روايةً مختلفةً عمّا روَّجته الرواية الرسمية عن الأطباء.
وزارة الصحة تستهدف الموظف الأجنبي وليس البحريني كما بات واضحاً للجميع، فمن ضمن الإغراءات أنه لن تكون هناك ضرائب على الراتب كما في الدول الأجنبية، ومدة العقد عامان قابلة للتجديد، فضلاً عن العلاوات والمكافآت. ومن المميزات الأخرى تكفُّل الوزارة بإيجار السكن، وتذاكر السفر للطبيب وعائلته، ومصاريف تعليم الأطفال والتأمين الصحي، وأكثر هذه الامتيازات لا يحصل عليها الطبيب البحريني.
من المفارقات الصارخة في هذا الملف، أن الكثيرين منهم عندما تُعرَض عليه الجنسية البحرينية يرفضها، لأنها ببساطة ستسحب منهم الامتيازات المذكورة أعلاه كافة! فحين يُصبح مواطناً بحرينياً، لن تتكفل الوزارة بدفع إيجار سكنه، أو تذاكر سفره مع عائلته، أو مصاريف تعليم أبنائه وتأمينه الصحي، ولذلك كانوا يرفضون الجنسية.
الوزارة تعرف كل ذلك، وتعرف أن القضاء برّأ الأطباء، والقائمون على الأمر يدركون تماماً جانب الكيدية في التهم التي أسقطها القضاء، ومع ذلك تصر الوزارة على استمرار عقابهم وحرمانهم من العودة لأعمالهم، حتى لو تسبّب ذلك في تراجع الخدمات الطبية وتفريغ المرافق الصحية من الكوادر الوطنية ذات الخبرات، وحرمان المرضى من العلاج.
الوزارة تعرف نظافة أيديهم وعدالة قضيتهم، ومع ذلك تصرّ على استبدالهم بكوادر أجنبية، وهي مستعدةٌ لتحمُّل فارق الكلفة، التزاماً بأهدافٍ ليس من بينها مراعاة المصلحة الوطنية العليا. وفي هذا السياق، يتم إيقاف استشاري بتخصص نادر (أعصاب وجراحة مخ) خبرته ثلاثون عاماً، ويُحال على التقاعد، وتُعتقل استشارية تخدير، ورغم الحكم ببراءتها في يونيو/ حزيران الماضي، تُمنع عودتها للعمل في مجمع السلمانية الطبي رغم حاجته إلى استشاري. ويُعتقل رئيس قسم العناية القصوى ولا يعاد للعمل رغم براءته، والأغرب اعتقال استشارية العناية القصوى نهاد الشيراوي لأنها شُوهدت تبكي أحد الضحايا في موقف إنساني نبيل.
ما تقوم به وزارة الصحة ليس مجرد عقابٍ للكوادر الطبية، وإنّما عملية تمزيقٍ لأحشائها، وتدميرٍ للثقة بالخدمات الصحية، وهدمٍ لما بنته البحرين خلال ثلاثين عاماً.


قاسم حسين 

0 التعليقات:

إرسال تعليق