الأحد، 19 أغسطس 2012

الكاتب"ليث البحرين " مقال: ليلة عيد الفطر الشهيد @BahrainiLeonard



إن الأبرار لفي نعيم

يمر على المسلمين عيدان رئيسيان بإتفاق جميع المذاهب الإسلامية وهما عيد الفطر السعيد وعيد الأضحى المبارك، وقد لقب عيد الفطر بالسعيد لأنه يأتي بعد الصبر على مشاق الصيام والإلتزام التام بموجبات العبادة وقراءة الأذكار والأدعية طيلة شهر رمضان المبارك.

ولعظمة شهر الصوم وما به من فضائل وخيرات وحسنات فإن من يجزِ به هو الله جل وعلا كما ورد في الحديث القدسي الشريف (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، فمن صام وهو مؤمن تائب عابد لله عز وجل له أجرٌ عظيم لا يعلم به إلا الخالق الكريم وله آثار دنيوية وأخروية لا يعلم حجمها إلا الراسخون في العلم.

فكيف إن جاهد الانسان في سبيل الله في شهر رمضان وهو منقطع إلى ربه فيقيناً إنه سيحوز من الفضل مالا نظير له، لذلك فإن الكثير من الانتصارات في صدر الاسلام قد تحققت في شهر رمضان ولعل أبرزها غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون وهم قلة بعددهم وسلاحهم على مشركي قريش وهم كثرة بعددهم وسلاحهم وفيهم وجوه الحجاز وفرسانها، وكذلك فتح مكة تحقق في شهر الصوم ليكون هذا الشهر الفضيل نبراساً في جهاد المؤمن لأهواء نفسه مما ييسر عليه قتال أعداء الله ورسوله والانتصار عليهم.

ما بالكم حين يصاب أو يعتقل أو يستشهد المتوثب للجهاد في سبيل الله في شهره العظيم، فأي مكانة عظيمة يحوز عليها هذا الانسان وقد أخلص عمله لبارئه، فهو وإن تلقى العذاب والجراح ولكنه رقى في سلم المجد نحو الرفعة الانسانية وفخر الدنيا وحسن جزاء الآخرة على ما قدمه لدينه وعرضه ووطنه وكرامته.

ولنا بالبحرين نماذج راقية ضحت وتضحي ويمر عليها شهر رمضان وعيد الفطر وهي قابضة على جمر العذابات والأحزان من أجل الحرية، فمن أرقى هذه النماذج هم المعتقلين الذين تجاوز بعضهم الأربع سنوات وهو رهن الإعتقال وقد تكبد من العذابات ما لا يمر على بال بشر كمعتقلي المعامير وكرزكان وقضية الحجيرة وما شابهها من القضايا المفبركة. فيكفي من عذابات هؤلاء الأبطال حرمانهم من مجالس الذكر الحكيم في شهر القرآن وإبعادهم عن موائد الإفطار العائلية والتضييق عليهم في وجبتي الإفطار والسحور ومنعهم من صلاة العيد واستقبال أهاليهم لهم في أيام العيد، وكل هذه الأمور تحرق القلب وتدمي العين للمعتقلين وكذلك لأحبائهم ولكنهم ما زالوا صابرين محتسبين الأجر عند خالقهم.

ويشاطر جرحانا معتقلينا كذلك هذا العذاب، فمنهم من فقد ذاكرته بعد ما تعرض له من ضرب وتعذيب كالطالب المجتهد محمد عبد المهدي الذي تفتت جمجمته وأبدلت له وفقد قدرته على النطق والكتابة، ومنهم من فقد بصره أو إحدى عينيه، ومنهم من بات لا يقوى على مضغ الطعام ومنهم من بات طريحاً على فراش المرض لسنوات عده بعد مالاقه من تعذيب بشع جداً في سجون آل خليفة كالشهيد ميثم النشيط الذي تكالبت عليه الآلام من مرضٍ الى مرض حتى فقد حواسه وقدراته تدريجياً واستشهد بعد أن تجرع من الألم الكثير، وكل هذا في سبيل عزة شعبه ووطنه.

وممن ما زال يضحي في شهر رمضان وعيد الفطر هم المفصولين وذويهم، فكم تدمع عين المفصول تعسفياً سياسياً من عمله وهو عاجز عن شراء الأطعمة اللذيذة لأطفاله في الشهر الكريم، وكم يتحسر هذا المفصول وهو يسمع ولده يطلب منه ملابس للعيد أو هدية أو عيدية كما تعود وترعرع في كنف والديه بدلال ومحبة، ولكن لا يستطيع هذا المفصول تلبية هذه الأمور فتراه متألماً يُظهر الصمود وهو محروق الفؤاد لعجزه عن تلبية مطالب أطفاله البسيطة، فكأنهم أيتموا عياله وهو حيٌ يرزق في مشهد تراجيدي تعجز هوليود بإمكانياتها أن تأتي بمثل ما فيه من وجعٍ ومظلومية.

والمبعدين والمشردين هم كذلك من المضحين في شهر رمضان في سبيل الحرية، فكم من عائلة تفتقد أحبائها بسبب التهجير القسري لبعض أفرادها، وإن كان وجع الغربة رهيباً فإن وجع التشرد داخل الوطن أكثر ألماً ورهبة، فالمطاردون داخل وطننا المحتل يتنقلون بسرية وهم محرومون من رؤية أهاليهم والاقتراب منهم ولا يسلمون على حياتهم من بطش النظام الحاقد، فلا رمضانهم كباقي البشر ولا عيدهم به شيء من السعادة ورغم ذلك فإنهم لا يبرحون ساحات الصمود في وجه مرتزقة النظام ويشكرون الله على نعمائه.

ولعل جرح عوائل الشهداء هو الجرح الأكبر، فما بقي من أحبتهم على موائد الإفطار إلا صورة يضعونها بجانبهم وهم يتحسرون لفقدانهم، وأمهاتهم مع كل ثانية تمر يخفق قلبهن بشوقٍ لا متناهي لفلذات أكبادهن فيحلقن في عالم العشق النقي لله تعالى بصبرٍ تتزلزل الجبال لعظمته وخشوعه، فكيف إن كان الشهيد مستعداً لإرتداء ملابس عيده وقد أنهى شهر الصوم وذهب لصلاة العيد ولم يعود، وقفت أمه تنتظره على الباب لساعات وأيام وأشهر ولكن علي الشيخ لم يرجع بعد، فلباس عيده كفنه، وعيديته دمه، وفرحته تكمن بلقاء ربه في يومٍ هو حقاً من أيام الله.

وتمر السنة وننتظر يوم عيد الفطر وكلنا سؤال: هل سنبكي في هذا العيد للشهيد علي الشيخ أم إننا سنمضي وتبقى ذكراه غصة عابرة؟ وشاء الله إلا أن يجعل من عيد الفطر ذكرى تتجدد فيها العَبرة لتنبض الروح في هذه الثورة، وكان ما لم نتوقعه ولا نتمناه.

في يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، وفي ليلة ٢٩ وهي آخر ليالي الشهر الفضيل، وبعد أن ختم القرآن وشارك في مسيرات يوم القدس العالمي، وبعد أن تعالج من إصابات الشوزن في جسده قبل أيام، ذهب البطل حسام الحداد للدفاع عن دينه وعرضه مواجهاً للمرتزقة بدمه ونفسه، لم يكن يحمل معه ألا ما يدافع به عن نفسه، باغتوه، بالرصاص الإنشطاري مباشرة ً أصابوه، فسقط على الأرض بالشارع العام يتلوى من ألمه.

كأني بحسام يخاطب والدته وجدته ووالده وأخوته: حين سقطت على الأرض أعاني حرارة رصاصات الشوزن التي أخترقت جسدي بالمئات، لم أرَ أمامي إلا صورتكم، تبسمت مودعاً رغم الألم وسيل الدم الذي نزفته من أشلائي، عندها نزل ٨ شباب من سيارتهم فتأملت منهم أن ينقذوني يا أمي، إقتربوا فهممت بالنهوض لهم، ولكنهم رمقوني بنظرات أوجعتني أكثر من الرصاص، لقد ضربوني يا أمي، ضربوني ولم يرحموني، حاولت تفادي ضربهم وركلهم لي، غطيت بطني فضربوني على وجهي، حميت وجهي فكسروا مني ظهري واستهدفوني في مكان إصابتي، لقد مت ألف مرة ومرة وعجزت حتى عن الصراخ من شدة الألم، أماه وأنا بين الحياة والموت رمقت بين أرجل من يعذبني ويركلني سواد عباءة إمرأة، نعم إنها بعمر جدتي، دعوت الله أن ينقذني بها، تخيلتها ترمي بنفسها علي لتنقذني، أمي لقد ذبحتني هذه المرأة الكبيرة بالسن من الوريد للوريد، قالت لهم اذبحووووه، اذبحوه نعم اذبحوه ولا ترحموه، حينها سلمت روحي لخالقها فلا أريد البقاء في عالم ٍ سادت فيه الرذالة وعدمت فيه الانسانية، فلكم يا أحبتي مني الوداع واللقاء يوم المحشر حيث لا ينفع المال والبنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.

يا أشرف الناس وخير الشعوب الذي يضحي رغم التعتيم الإعلامي وتكالب الأمم عليه، إنكم الأبرار الذين لكم جنة النعيم والفوز الأبدي حيث لا موت ولا حسد ولا ضغائن، إنكم نور الله في أرضه بمفصوليكم وجرحاكم ومعتقليكم ومشرديكم ومبعديكم، أنتم الثورة العظيمة التي يقودها خيرة شبابكم، فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون لو كنتم تعلمون، وأنتم المنتصرون وسيزول بصمودكم حكم آل خليفة وكل من والاهم وسيرحلون من هذه الأرض قريباً، فكل قطرة دم تسقط بيد الله تروي ببركاتها بذرة الحرية التي زرعناها في ميدان الشهداء لتنمو وتكبر وتثمر نصراً بطعمٍ من فاكهة الجنة، وحق لكم يا عظماء ثورتنا قول الباري: (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ، تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ، يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ، خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ).

ليث البحرين

0 التعليقات:

إرسال تعليق